Tuesday, 5 January 2010

هذا الحوار المزمن بقلم اكرم عطا جريدة الايام الفلسطينية

مرة أخرى يعود الناطقون باسم الانقسام لرشّ الملح على الجرح الفلسطيني الذي يتعمق بتناسب طردي مع عمره الذي على ما يبدو ليس مهماً في التاريخ الفلسطيني الذي سيسجل أن هناك شعباً عبث بقضيته الوطنية حدّ الهزل
. مرة أخرى يناقشون التهدئة في غزة فنصاب برعب تخليد هذا الوضع بأن لا وحدة على الطريق تعفي من تهدئات جزئية لأن هناك اتفاقيات أشمل مع السلطة هذه البشرى التي تزف كأن غزة منطقة ستستمر بالانفصال وتفاوض أمنها وحدها. مرة أخرى يذهب ويجيء وفد مصري من دمشق لرام الله في محاولة لمنع انهيار حوار نصبت له كل الكمائن حتى لا يصل إلى أول محطة وأول الطريق وأول الأمل، هو الحوار المدجج بما يكفي من سوء النوايا لتفجيره باسم الحرص على المصالح الوطنية العليا وباسم الشعب. كل يوم يمر ينبني فيه مدماك آخر لتأبيد الانقسام من مؤسسات مستقلة وأجهزة أمن مستقلة وإن كانت وظيفتها في الضفة أو في غزة منع تهديد أمن اسرائيل وصناعة هياكل وبُنى تجعل من إعادة دمجها في حال المصالحة أمراً يعقد تنفيذ أي اتفاق.
من حق المواطن غير القادر على إطلاق صرخة في الشوارع حتى لا يتهم بالتلاعب بالمصير الوطني وبانتمائه للطابور الخامس من حقه أن يبلغ ذروة إحباطه وهو يتابع سيناريو العبث المتكرر لدرجة الملل من جولة وتأجيل تتبعها أخرى مثلها لدرجة توقف فيها عن المبالاة تجاه الجميع وأصبح كل المواطنين خبراء في شؤون حوار فصائلهم ليعطوا توقعاً دقيقاً عن نهاية كل جولة قبل أن تبدأ حتى
فالتجربة على جلودهم وعظمهم ولحمهم أيضاً وشريط الفشل المتكرر نقش في ذاكرتهم كأسماء الشهداء والمدن والحروب لكن الأزمة أكبر وأكثر ايلاماً من كل الحروب. كلهم راقبوا وانتظروا وسئموا ولم يعودوا قادرين على التصديق فالمؤمن لا يلدغ من حزب مرتين فما بالكم بست جولات في كل جولة لدغونا بالفشل هذا إذا نسينا ما سبقها من توافقات في القاهرة ومكة وإذا اعتبرنا أن الأمور كانت قبل الانقسام نموذجية، وبعد السادسة يبشرنا أحدهم بأن الحوار في طريقه للفشل .... شكراً.
هل سيعود "أبطال" الحوار يوماً على أكتاف شعبهم محمولين من المعابر كما حلم صديقنا رجب أبو سرية ذات مقال بعد أن يتمردوا على حالة عجز تلبستهم وليست مرشحة للمغادرة وهل سيكتب لهم التاريخ تسجيل انتصار كهذا أم سنشفق عليهم لأنهم عاشوا كل الانكسارات وأن الزمن الخاطئ حرمهم من تسجيل انتصارات حتى تلك التي يملكون قرار النصر فيها انسياقاً مع هزائم شاملة لم نتوقف لحظة تخطيط مواجهة ما أمكن منها فاكتشفنا أن الوطن الذي نحلم تشظى قبل الوصول وتقطع مرة بفعل الاحتلال ومرة بفعل ذوي القربى ونحن الذين استغوتنا الكتابة غرقى بالتحليل بأيهما أشد مضاضةً ...يا لبؤسنا! ماذا ستقول الأجيال القادمة عنا جميعاً، المتصارعين، ونحن شهود الزور وفصائل الصليب الأحمر التي لم تحركها سوى نخوة التعامل معها وفقاً لحجومها أو إقصائها ليعلن أحد المقتنصين لمبرر إدامة الأزمة أنها أبرقت رسالة أفشلت الحوار،
ماذا ستقول الأجيال حين تقرأ أننا تحاورنا بالسلاح وبالدم في الشوارع والساحات لنعلن انتصارنا على أنفسنا ولنسجل هزيمتنا جميعاً وكأن لا يكفينا من وجبات لم يكف القدر عن إرسالها لنا بدءاً من تطهير القدس وصولاً إلى السجن الكبير في غزة. كوة من الأمل تفتحها التوافقات العربية وتوافقات في لبنان وكأننا لم نبلغ سن الرشد السياسي بانتظار أب أو أخ أكبر عله يدلنا على الطريق بعد أن بلغ بنا التيه حداً أفقدنا توازننا وسط صحراء الحكم والسلطة التي أعمت العيون والقلوب أيضاً
. كان للفلسطينيين مرة حكومة وحدة من يصدق؟! حين عادوا من مكة التي يغسل البشر خطاياهم هناك فارتكبوا الخطيئة الكبرى التي انشغلوا بتسميتها انقلابا أم حسما ! هي انقلاب على كل قيمنا لا على الحكومة فقط. من الذي أسقط تلك الحكومة والتجربة التي يقنعنا أصحابها أنها طفرة لن تتكرر بما يقدمونه لنا من نماذج يومية بالأقوال ممهورة بالأفعال التي لم تتوقف عن ذبح تجربتنا التي كان الأمل يحدو ميلادها حين كان يكتب رائدها الراحل صفحتها الأولى.
أين سيرسو هذا المركب الفلسطيني الذي تلاطمه أمواج ثقافة الإقصاء والإلغاء ثقافة لم تدفع ورثتها من التقدم صوب قواسم بُحت دون أن تجد من يسمع كصوت صارخ في البرية. فإذا لم تقدم حكومة اليمين في إسرائيل ما يقنعنا بالتوحد وإذا لم تستطع حرب غزة ودمها الذي توزع فوق السطوح أن تدفعنا إلى مغادرة حالة الانقسام وإذا كان هذا المشهد العابث لحكومتين دون وطن وسلطتين دون دولة لم يستوقفنا أمام ما نفعل بأنفسنا فنحن وسط كابوس إذن
. هناك شعوب تتعلم من تجارب الآخرين وتبدأ من حيث انتهى الآخرون وهناك من يعيد التجربة ليدفع ثمن تعلمه بنفسه ويبدو أنه كان علينا أن ندفع فاتورة الدم لدرس الوحدة وقد تم ولكن أن لا نتعلم فتلك رواية أخرى. قد يذهب المتحاورون نهاية هذا الشهر قد يكونون قد عرفوا أنه لا يمكن لأحد إقصاء الآخر حتى لو أغلق كل صناديق الاقتراع ومن يعتقد بغير ذلك لم يقرأ التاريخ الفلسطيني جيداً فهذه البلاد هي بلاد التنوع والتعدد ...تصارعت عليها العقائد والديانات ولم تشطب إحداها الأخرى وتعايشت. هذا وطن اكتشاف الزراعة ومن أهدى العالم تجربة المدينة بما حملته من تنوع مديني ديمقراطي منذ عشرات آلاف السنين منذ الثورة النيوليتينية ومن يعتقد أو يؤمن بثقافة الإقصاء مهما امتلك من قوة أو مال أو اعتقاد أيديولوجي أو غيره فليعد قراءة تاريخ هذه الأرض التي لا تقبل اللون الواحد وتقصي بثقافتها التلقائية ثقافة الإقصاء

0 comments:

Post a Comment

شات العاصفة

Twitter Delicious Facebook Digg Stumbleupon Favorites More